هؤلاء نسبوا إلى أمهاتهم

هؤلاء نسبوا إلى أمهاتهم



تقدم إليّ تكاد الدموع تذرف من عينيه، همس في أذني: أستاذي! زميلي ينسبني إلى أمي. فاجأني بكلامه، قطعت محاضرتي، داعبته بابتسامة خفيفة، ثم أخذت أبين له ولزملائه أن النسب إلى الأمهات ليس من النقائص، بل هو من مفاخر العرب، ثم سردت لهم أسماء مجموعة ممن انتسبوا إلى أمهاتهم من الصحابة والتابعين ومن ملوك العرب والخلفاء المشهورين، انفرجت أساريره، بينما علت الدهشة وجوه الطلاب! انتهت المحاضرة، وانصرف الطلاب، فخلوت بنفسي أدوّن هذه الكلمات، فكان هذا البحث الطريف، فأردت أن أتحف به السادة القراء.

اشتهر كثير من السابقين بالنسب إلى أمهاتهم، حتى كتب "ابن جني" كتاباً بعنوان:"من نسب إلى أمه من الشعراء" وكذلك فعل "المدائني" و"ابن حبيب"، وكتب "الفيروز أبادي" كتاباً بعنوان:"تحفة الأبيه فيمن نسب إلى غير أبيه" ولم يكن ذلك منقصة عندهم، بل كانوا يفتخرون بالنسب إلى أمهاتهم، وينكرون على من يترفع عن هذا، فهذا أبو منصور محمد الغالي من أهل نيسابور وقيل له الغالي نسبة إلى أمه غالية، حضر أبو زكريا العنبري مجلسه، فأخذ أبو منصور يعاتبه ويقول: لم تنسبني إلى أمي وتقول: ابن غالية!؟ فقال أبو زكريا: سبحان الله! كانت غالية تغشى بيوتنا وبها عرفناك، وهذا منصور بن صفية من كبار التابعين ينسب إلى أمه وإمام القراء عاصم بن بهدلة منسوب إلى أمه ثم من الأمراء بهذه الديار أحمد بن بانو في جلالته لا يترفع عن هذا ومزكي بلدنا أحمد بن عبدويه منسوب في أمه، فلم تترفع أنت من غالية وكانت صالحة عفيفة ؟ [1]

 وكان الأبناء يفتخرون بالنسب إلى أمهاتهم، فقد حدثت مشادة بين معاوية وعبد الله بن عامر فقال معاوية يفتخر عليه: أنا ابن هند، فقال ابن عامر: وأنا ابن أم حكيم، قال معاوية: ارتفعت جداً، قال ابن عامر: وانخفضت يا أمير المؤمنين[2]

وقد اتخذ الشعراء من الأمهات مادة شعرية خصبة، [3] ففي مدائح جرير لعمر بن عبد العزيز يكرر ذكر والدته مراراً فيقول: [4]

إليكَ رحلتُ يا عمرُ بنُ ليلى



على ثقةٍ أزورُكَ واعتمادا

عليكم ذا الندى عمرُ بن ليلى



جواداً سابقاً ورثَ الجيادا

إلى الفاروقِ ينتسب ابنُ ليلى



ومروانَ الذي رَفَعَ العمادا

وتبني المجدَ يا عمرُ بن ليلى



وتكفي الممحِلَ السّنَة الجمادا

وفي مدحه لهشام بن عبد الملك يمدحه بأمه، فيقول: [5]

بنى مروانُ بيتَكَ في المعالي



وعائشةُ المباركةُ الولودُ

وكان عبد العزيز بن مروان قال: لا أعطي شاعراً حتى يذكر والدتي في مدحه، فخاطبه الشاعر نصيب ونسبه إلى أمه قائلاً: [6]

وإنَّ وراءَ ظهريَ يا ابنَ ليلى



أناساً ينظرونَ متى أؤوبُ

ومدح الكميت عبد الملك بن مروان، فذكر والدته عائشة قائلاً: [7]

أورثَتْهُ الحَصَانُ أمُّ هشامٍ



حَسَباً ثاقباً ووجهاً نَضيرا

وتعاطى به ابنُ عائشة البد



رَ له رقيباً نظيرا

كما مدح النابغة الشيباني يزيد بن عبد الملك بأمه عاتكة فقال: [8]

أنتَ ابنُ عاتكةَ الميمونِ طائرُها



أمِّ الملوكِ بني الغرِّ المناجيبِ

ولعلنا نذكر هنا طائفة ممن اشتهروا بنسبهم إلى أمهاتهم:

1- عمرو بن هندٍ: نُسب إلى أمه، وأبوه المنذر بن امرئ القيس، كان شديد البأس، كثير الفتك، هابته العرب وأطاعته القبائل، واستمر ملكه خمسة عشر عاما، وهو الذي حرق بني تميم بالنار: وكان نبو دارم قد قتلوا أخاه أسعد بن المنذر، فحلف أن يقتل منهم مائة بالنار، فهجم عليهم، وحمل له تسعة وتسعون فرماهم في النار، فعلا لهبها ودخانها، فرأى ذلك أحد البراجم، فظن أنها قرى، فأقبل إليها، فجيء به إلى عمرو فقال له: من تكون؟ فانتسب له، فقال عمرو: "إن الشقي وافد البراجم" ثم تمم به المائة، ورمى به في النار، وكان يضرب المثل بجوره حتى قال أحد شعراء العرب: [9]

فآليت لا آتي السدير وأهله



ولو جاء منه بالحياة بشير

به البق والحمى وكل مصيبة



وعمرو بن هند يعتدي ويجور

2- ابن الاطنابة عمرو بن عامر بن زيد مناة، شاعر جاهلي فارس، اشتهر بنسبته إلى أمه "الاطنابة" بنت شهاب، ويعد من ملوك العرب في الجاهلية، قال معاوية: لقد وضعت رجلي في الركاب يوم صفين وهممت بالفرار فما منعني إلا قول ابن الاطنابة: [10]

أبت لي عفتي وأبى إبائي


وأخذي الحمد بالثمن الربيح

3- ابن الرعلاء، عدي بن الرعلاء الغساني: شاعر جاهلي اشتهر بنسبته إلى أمه، وضاع اسم أبيه، وهو صاحب القصيدة التي منها البيت الشائع على كل لسان: [11]

ليس من مات فاستراح بميت



إنما الميت ميت الأحياء

4- أيمن بن عبيد الحبشي، ويقال له أيمن بن أم أيمن مولاة النبي r نسب إلى أمه، وكان أخا أسامة بن زيد لأمه[12]

5- ابن أم مكتوم، عبد الله بن قيس بن زائدة ، نسب إلى أمه، كان ضرير البصر، أسلم بمكة، وهاجر إلى المدينة بعد غزوة بدر، وكان يؤذن لرسول الله r في المدينة مع بلال، وكان النبيr  يستخلفه على المدينة، يصلي بالناس، في عامة غزواته، وحضر حرب القادسية ومعه راية سوداء وعليه درع سابغة، فقاتل - وهو أعمى- ثم رجع إلى المدينة فمات بها، وهو الذي عاتب اله فيه رسوله r في سورة "عبس" وقصته مشهورة .[13]

6- بشير بن الخصاصية وهي أمه، واسم أبيه معبد، كان اسمه زحم فسماه النبي r بشيراً.[14]

7- حارثة ابن الرُبيِّع، والربيع اسم أمه، وأبوه سراقة.[15]

8- شريك ابن السمحاء، وهي أمه، وأبوه عبدة بن معتب، نسب إلى أمه، شهد مع أبيه أحداً، وهو أخو البراء بن مالك لأمه.[16]

9- يعلى بن أمية، ينسب إلى أمه منية بنت الحارث، أسلم يوم الفتح وشهد حنيناً والطائف وتبوك، وقتل سنة ثمان وثلاثين بصفين مع علي بعد أن شهد الجمل مع عائشة وهو صاحب الجمل أعطاه عائشة- رضي الله عنها.[17]

10- شرحبيل بن حسنة، وأخيه عبد الرحمن بن حسنة وهو شرحبيل بن عبد الله بن المطاع الغوثي ، نسب إلى أمه حسنة العدوية بنت معمر بن عبدالله العدوية من بني عدي بن كعب القرشية ، وهو أول من كتب لرسول الله وكان نحيف الجسم من كثرة صيامه وقيامه.[18]

11- معاذ ابن عفراء، وهو معاذ بن الحارث بن رفاعة، نسب إلى أمه عفراء بنت عبيد بن ثعلبة، شهد بدراً هو وأخواه عوف ومعوذ بنو عفراء، وهم بنو الحارث بن رفاعة، وقتل عوف ومعوذ ببدر شهيدين، وشهد معاذ بعد بدر أحداً والخندق والمشاهد كلها، ومات بعد خلافة عثمان.[19]

12- ربعي بن عامر، وينسب إلى أمه فيقال ربعي بن كأس، وكان من أشراف العرب وهو الذي يقول فيه النجاشي:[20]

ألا رب من تدعو فتى ليس بالفتى



ألا إن ربعي بن كأس هو الفتى

طويل قعود القوم في قعر بيته



إذا شبعوا من ثفل جفنته سقى

13- خفاف بن ندبة السلمي، خفاف بن عمير بن الحارث، اشتهر بالنسبة إلى أمه ندبة بنت أبان بن شيطان، من فرسان العرب المعدودين، يُكنى أبا خُراشَة، شهد مع النبي r فتح مكة، ومعه لواء بني سليم، وشهد حنيناً والطائف، وروي عن الأصمعي قوله: خفاف ودريد بن الصمة أشعر الفرسان: [21]

14- محمد بن الحنفية، محمد بن على بن أبى طالب، أخو الحسن والحسين، ينسب إلى أمه خولة بنت جعفر الحنفية، وسميت الحنفية لأنها كانت من سبي بني حنيفة أعطاها أبو بكر t لعلي t فأعتقها وتزوج بها، كان واسع العلم، خرج إلى الطائف هارباً من ابن الزبير فمات هناك عام 81هـ.[22]

15- يزيد بن عبد الملك، ويقال له: " يزيد بن عاتكة " نسبة إلى أمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية، ولي الخلافة بعد وفاة عمر بن عبد العزيز، ونقل اليافعي أنه لما استخلف قال: سيروا بسيرة عمر بن عبد العزيز، فأتوه بأربعين شيخا شهدوا له أن الخلفاء لا حساب عليهم ولا عذاب! وكان فيه مروءة كاملة، مع إفراط في الانصراف إلى اللذات، ومات في إربد بعد موت " قينة " له اسمها " حبابة " بأيام يسيرة، ونقل الديار بكري (في تاريخ الخميس) أنه: مات عشقا، قال: ولا يعلم خليفة مات عشقا غيره.[23]

وفي الختام فإن ذلك لا يمنع أن نتنادى بأحب الأسماء، قال ابن مسعود: "مما يصفي لك ود أخيك أن تسلم عليه إذا لقيته، وتدعوه بأحب الأسماء إليه، وتوسع له المجلس" وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول ليحيى بن معين: يا أبا زكريا بلغني أنك تقول حدثنا إسماعيل بن علية. فقال يحيى: نعم أقول هكذا. قال أحمد: فلا تقله، قل: إسماعيل بن إبراهيم، فإنه بلغني أنه كان يكره أن ينسب إلى أمه. قال يحيى لأبي: قد قبلنا منك يا معلم الخير.[24]

فأذن من ينسب الى أمه هو أعلى واشهر بين قبائل لا يفتخر احد بأمه الا الابطال مثال بنو خندف بنو جديله بنو قيله وبنو جندله وهم قريش وصارت مثلا يضرب به فيقال (( تقرشوا بنو جندله وهي أم مالك بن النضر  ))  جندله وهي زوجت النضر بن كنانه وكذلك سيدنا إسماعيل يقال أبن هاجر الاميرة واي فخر لكم اي العرب وجدتكم هي الأميرة الفرعونية بنت الفرعون أوزريس بن أنوم تزوجت سيدنا ابراهيم عليه السلام .

المراجع :- 
   

[1] الأنساب للسمعاني 4/ 277.

[2] أنساب الأشراف 2/ 90.

[3] المرأة في الشعر الأموي ص: 9.

[4] ديوان جرير 1/117 .

[5] ديوان جرير 1/290 .

[6] الأغاني 1/135.

[7] شعر الكميت 204.

[8] ديوان النابغة الشيباني: 172.

[9] نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب ص: 110.

[10] الأعلام للزركلي 5/ 80.

[11] الأعلام للزركلي 4/ 220.

[12] الثقات لابن حبان 4/ 47.

[13] صفة الصفوة 1: 237.

[14] معرفة الصحابة لأبي نعيم 1/ 400.

[15] أسد الغابة ص: 225.

[16] الاستيعاب في معرفة الأصحاب 1/ 213.

[17] أنساب الأشراف 4/ 118.

[18] شذرات الذهب لابن العماد 1/ 24.

[19] الاستيعاب في معرفة الأصحاب 1/ 441.

[20] تاريخ الأمم والرسل والملوك للطبري 2/ 547.

[21] أسد الغابة ص: 327.

[22] الأنساب للسمعاني 2/ 281.

[23] الأعلام للزركلي 8/ 185.

[24] طبقات الحنابلة 1/ 186.