الشارقة القديمة ذاكرة الماضي الحية

الشارقة القديمة ذاكرة الماضي الحية




استمع تمثل مدينة الشارقة القديمة لوحة تعيدنا إلى حياة الأجداد وعبقهم الجميل الذي مازال متأصلاً في نفوسنا بما فيه من دفء وحب وتفانٍ يدفعنا لرسم مستقبلنا . وهي لوحة متكاملة العناصر فيها الحياة القديمة بكل أنشطتها . من حب الأجداد للشعر واللجوء إليه في أفراحهم وأحزانهم، إلى جلساتهم يحتسون القهوة، أو يغنون، أو يمارسون حرفهم











تحاط الشارقة القديمة بسور به أبراج ومربعات تضم عناصر عديدة منها المرامي والمزاغل، وكلها مبنية من الحجر البحري والجص . وتحتضن في داخلها الأزقة الكبيرة والصغيرة، المتعرجة ومساحات عديدة بين المباني كانت مصممة متنفساً للأهالي في الفريج أو الحي .


عن تاريخ الشارقة القديمة يقول عبدالعزيز المسلم بني خالد ، مدير إدارة التراث والثقافة بدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، إنه تاريخ موغل في القدم مشيراً إلى أن خصائص هذه المدينة القديمة أنها تنقسم إلى أربعة أحياء رئيسة اثنين في الشرق ومثلهما في الغرب، وأن كل حي فيه بين فريج أو اثنين . ويقول: في الشرق يوجد فريج ابن درويش وأهل المازم ن السادة الكرام م، وآل الدرويش من العائلات الكريمة في الشارقة، ويرجع نسلهم إلى آل عقيل بن أبي طالب، في حين أن فريج أهل المازم كان يتكون من عدد من البيوت بلغ عددها نحو 40 بيتاً بعضها معروش بسعف النخيل، والبيوت الأخرى مشيدة بالطين، وهي طرائق كانت سائدة وقتها في البناء .

وأضاف: فريجا الشويهين وآل علي دمجا في حي واحد هو حي الشويهين، وهم الذين بنو حي الشرق سنة 1820 ميلادية، ويسمى الآن المجرة . ويوضح أن حي الغرب - هو الحي الذي بني فيه الحصن سنة 1820 مع السور مع عدد من الأبراج منها برج خزام وبرج الكبس، وبرج الرملة أو الفلج وغيرها من الأبراج، وكان فيه مقر الحكومة، وأمر ببنائه الشيخ صقر بن سلطان الأول ابن راشد بن مطر بن رحمة بن كايد القاسمي .

ولفت مدير إدارة التراث والثقافة بدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة إلى أن حي الغرب كان ينقسم إلى فريجين رئيسيين هما فريج القواسم، وفريج العويسات دمجا في حي واحد . ويقول: تتميز بيوت حي الغرب بكبرها واتساعها وثراء أهلها، إضافة إلى أنها كانت تطل على ساحل البحر، وسمي هذا الحي بعد ذلك بحي الشيوخ، وكان فيه فريج النابودة من الشوامش وآل السركال من ال علي ، الذي أصبح الآن حي السركال وقبل ذلك كانت تنطق السركار بمعنى (الرئيس في اللغة الهندية ) .

وتجولنا مع المسلم داخل مدينة الشارقة القديمة التي قال عنها إنها تضم مباني ووحدات سكنية كالبيوت، إضافة إلى الأماكن الخدمية مثل السوق الذي يسمى;العرصة وبعض المجالس والمساجد التي تمثل نموذجاً بارزاً للمباني الدينية وفن بنائها الذي يرجع إلى الموروث المخزون في تاريخ العمارة التقليدية وهندستها، لافتاً إلى أن السوق القديم يتميز بأزقة ضيقة ومحال متلاصقة، تجسد صورة حقيقية للنشاط التجاري قديماً . ويعرض هذا السوق بضاعة عصرية ومقتنيات تراثية، في حين أن مداخل المباني الخدمية والبيوت والغرف والواجهات عليها زخارف، ونقوش على الأبواب والشبابيك والأعمدة، وجميعها تدل على الروح الإبداعية والفنية لعناصر البناء في الشارقة القديمة .

وأشار عبدالعزيز المسلم إلى أن المدينة تزخر بالعديد من المتاحف التي تضم المقتنيات التراثية ممثلة كل أنواع النشاط البشري والاجتماعي والسياسي والعسكري والثقافي، وكل أشكال الإبداع الإنساني التي تركها الأجداد لنا، وهي موروثات تلقي الضوء على مراحل مهمة في تاريخ الحضارة الإماراتية والإنسانية بوجه عام التي يوليها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة عناية خاصة إيماناً من سموه بأنها موروث ملك لكل البشرية . ويوضح أن سوقالعرصة يعد من أقدم الأسواق الشعبية في الإمارات، وسمي بالعرصة لأنه يقع بمحاذاة عرصة السوق، وهي أرض فضاء تقع بين بيت النابودة متحف الشارقة للتراث، ومجلس النابودة، والسوق سمي في ما بعد باسمها سوق العرصة، والعرصة هي كل بقعة أو ساحة واسعة بين الدور ليس فيها بناء، وكانت هذه الساحة مناخاً للإبل ومنطقة للبيع بالتجزئة والجملة و المقايضات .

ويشير المسلم إلى أن السوق يحتوي على 82 محلاً تتنوع المعروضات فيها بين التحف النحاسية والفضية والخشبية والأجهزة والمجوهرات التقليدية والعملات والألبسة والأعشاب الطبية والألعاب الشعبية ونماذج للسفن القديمة، إضافة إلى التمور والصور القديمة . وفيه مقهى العرصة الشعبي الذي يقدم المأكولات الشعبية الإماراتية والحلويات والشاي والقهوة العربية .

وأشار المسلم إلى أن لسوق العرصة أربع بوابات تغلق في المساء لتوفير الحماية اللازمة للمحال، وبنيت بجانب إحدى هذه البوابات مجموعة جديدة من الدكاكين امتدت فيما بعد لتكون خطاً مستقيماً يشوبه التعرج وتتخلله الأزقة التي يسمى كل منهاالسكيك وهي تصغير سكة، وفي مجملها شكلت سوقاً آخر اصطلح على تسميته بسوق العرصة وأحياناً يسمى السوق القديم . ويؤكد أنه بعد أسابيع قليلة تحتفي الإمارة في قلب مدينة الشارقة القديمة بأيام الشارقة التراثية التي تحيي كل مفردات الماضي .

وتقول د . بروين نوري عارف، الخبيرة في إدارة التراث والمشرفة على مشروع ذاكرة الشارقة المكانية: التراث له رونق خاص وقبول فطري لدى جميع الفئات، وكلما تقدم الزمن أصبح التراث أكثر جمالاً وحضوراً، حتى إن الأجيال تتنافس في حب التراث وتحتفي به كأنه الرمز الأوحد للانتماء والوطنية . وتشير إلى أن الاهتمام بذاكرة الشارقة المكانية مبعثة الحفاظ على التراث المادي كركن من أركان التراث، وهو إضافة جديدة لما قدمته إدارة التراث للشارقة القديمة، ويهدف إلى إصدار دليل بالأماكن التاريخية القديمة ومعانيها، ويشارك فيه أهل الشارقة، ويشمل مناطق قديمة عدة .

وأوضحت أن المنطقة التراثية بالشارقة لها نكهة معجونة بالماضي الأصيل للإمارات، ولذلك شهدت منذ فترة طويلة جهوداً كبيرة لتطوير أضخم مشروع تراثي في الخليج العربي والمنطقة بغرض إعادة إحياء الشارقة القديمة وتحويلها إلى منطقة تجارية وسياحية بلمسات فنية حديثة . وتشير إلى أن مجلس العلامة إبراهيم بن محمد المدفع أحد العلامات التراثية والأيقونات المعمارية المدهشة في قلب الشارقة القديمة حيث يقصده الناس من كل الجنسيات ويعبرون عن إعجابهم ودهشتهم بطرازه المعماري الذي حرصت إدارة التراث بالشارقة على إبرازه بشكل فني جميل ضمن متحف المقتنيات الشخصية للعلامة إبراهيم المدفع . وتقول عارف كان للمجلس وظائف عدة، ففيه مكتبة ومكان اجتماعات للأهالي والعلماء والتجار لقضاء أمسيات شعرية وأدبية وسياسية ومناقشة موضوعات مختلفة من أجل الإبقاء على التواصل الثقافي والاجتماعي بين سكان الشارقة المثقفين، ويعتلي المجلس البارجيل الدائري البارز الذي أكسب البيت شهرة كبيرة .



المصدر : (الشارقة - محمد هجرس) جريدة الخليج تاريخ 28/9/2012 م